كشف تقرير لمجلة "فورن أفيرز" عن علاقة قطع الأشجار غير القانوني بتمويل "الكارتلات" (العصابات الكبرى) والإرهابيين والأنظمة المارقة، مشيرًا إلى أن جهات فاعلة حكومية وغير حكومية، في جميع أنحاء العالم، تستغل قيمة هائلة من الغابات لتمويل عملياتها.
ورغم أن إزالة الغابات غير المستدامة، تُعرّض البيئة للخطر، فإن قطع الأشجار غير القانوني يُشكّل أيضًا تهديدًا جيوسياسيًا هائلًا، وغير مُعترف به.
وفي حين تُشكّل الجريمة البيئية تهديدًا اقتصاديًا وأمنيًا وطنيًا مُتناميًا للولايات المتحدة ودول العالم، تجاهلت واشنطن إلى حد كبير دور قطع الأشجار غير القانوني في مكافحتها للمنظمات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، وعصابات المخدرات، والإرهابيين، والأنظمة المارقة، بالإضافة إلى دور الصين في هذه التجارة غير المشروعة.
وبحسب تقرير المجلة، يُعدّ قطع الأشجار غير القانوني ثالث أكثر الجرائم العابرة للحدود ربحًا، بعد التزوير والاتجار بالمخدرات، وفقًا لهيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، وهو "أكثر جرائم الموارد الطبيعية ربحًا على وجه الأرض".
ويُقدّر الإنتربول وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن ما بين 15% و30% من تجارة الأخشاب العالمية غير قانونية.
وفي هذا السياق، أفادت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية أن جرائم الغابات تُدرّ أرباحًا تُقدّر بنحو 157 مليار دولار سنويًا في جميع أنحاء العالم. كما تُكلّف حكومات البلدان المصدرة التي يعتمد بعضها على المساعدات الخارجية، مليارات الدولارات من الإيرادات المفقودة سنويًا.
وأوضح التقرير أن جهات منظمة غير مشروعة تُسيّر عمليات نهبٍ لمساحاتٍ شاسعةٍ من الغابات، نظرًا لسهولة جمع الأموال وغسل عائداتها القذرة.
كما هو الحال مع الذهب، وهو موردٌ طبيعيٌّ آخر غالبًا ما تُستخرجه الجماعات الإجرامية وتُتاجر به بشكلٍ غير قانوني، يُمكن تزوير أصول الأخشاب وشهاداتها، ما يُتيح ترويج الأخشاب المُستقاة من مصادر غير مشروعة على أنها شرعية.
ومن خلال عملية "غسل الأخشاب" هذه، يُضفي المجرمون على الأخشاب غير المشروعة مظهرًا قانونيًا من خلال تضليل تحديد نوعها، أو وضع علاماتٍ خاطئة على أصلها، أو تزوير سجلات التجارة، ما يُتيح خلطها مع الأخشاب الشرعية، ثم دخولها التجارة الدولية وبيعها.
وهناك خدعةٌ أخرى، تُعرف باسم "الغسل المزدوج"، حيث تُحوّل عائدات قطع الأشجار إلى استثماراتٍ تبدو مشروعة، مثل العقارات، لإخفاء مصدرها؛ فعلى سبيل المثال، ينخرط مُهربو المخدرات في أمريكا الوسطى في "تربية ماشية المخدرات" حيث يُنشؤون مزارع ماشية على أراضٍ يُزيلون غاباتها بشكلٍ غير قانوني لتسهيل تجارتهم غير المشروعة للمخدرات وغسل عائداتها.
وبالنسبة لمثل هذا النشاط المربح، فإن خطر القبض عليه منخفض نسبيًا، نظرًا لعدم إعطاء الأولوية للتحقيقات في الجرائم البيئية، وعقوباتها الجنائية ضئيلة جدًا مقارنةً بعقوبات الجرائم العابرة للحدود الوطنية الأخرى مثل الاتجار بالمخدرات.
وتابع التقرير أن قطع الأشجار غير القانوني غالبًا ما يتداخل مع النزاعات الدولية؛ ففي أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، سارع الاتحاد الأوروبي إلى حظر المنتجات الخشبية الروسية والبيلاروسية، ما حال دون تمويل موسكو لجهودها الحربية بأموال من تجارة قطع الأشجار الدولية، التي حققت لروسيا ما يقرب من 14 مليار دولار في عام 2021 وحده.
وفي الواقع، تلجأ الكارتلات والجماعات الإرهابية الخاضعة للعقوبات مرارًا وتكرارًا إلى الغابات كمصدر للتمويل؛ فعلى سبيل المثال، تستخدم الكارتلات المكسيكية الأخشاب المقطوعة بشكل غير قانوني لتمويل التجارة مع المصنّعين الصينيين لسلائف الفنتانيل، في مخطط لغسل الأموال قائم على تجارة الموارد الطبيعية.
وأوصى التقرير، بأنه ينبغي على الحكومات أن تُدرك أن قطع الأشجار غير القانوني يُمثل تهديدًا ذا أولوية، وأن تُدرجه رسميًا ضمن أولويات إنفاذ القانون ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي حين أنه لا يُمكن للحكومات القيام بهذا الجهد بمفردها، ينبغي على أجهزة إنفاذ القانون ووحدات الاستخبارات المالية تبادل المعلومات الاستخبارية فيما بينها، ومع المنظمات غير الحكومية والهيئات الخاصة، بما في ذلك شركات الشحن وصناعة الأخشاب وكبار تجار التجزئة، والجمهور، سواءً بشكل مباشر أو من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.
ونظرًا لأن قطع الأشجار غير القانوني يعبر حدودًا متعددة، ينبغي على الحكومات التنسيق لتبادل المعلومات الاستخبارية دوليًا لتسهيل الملاحقات القضائية ومصادرة الأصول بشكل أفضل.
واستخدمت الحكومات عقوبات موضوعية لمواجهة أكبر تهديدات الأمن القومي التي تواجهها؛ حيث وضعت الولايات المتحدة، إلى جانب كندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أحيانًا، برامج عقوبات تستهدف تجار المخدرات والإرهابيين ومروجي أسلحة الدمار الشامل ومجرمي الإنترنت ومنتهكي حقوق الإنسان الخطيرين والفاسدين.
ومن شأن برنامج عقوبات موضوعي يركز على الاتجار غير المشروع بالموارد الطبيعية، ويهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية المحدودة وضمان استخدامها المستدام والعادل، أن يزيد الوعي بالتهديد، ويعطل الشبكات الدولية، ويردع الجهات الفاعلة غير المشروعة المحتملة.