أعادت العواصف والسيول النادرة في هذا التوقيت من العام، والتي تعرّضت لها مدينة الإسكندرية في الساعات الأولى من صباح أمس السبت المخاوف القديمة من سيناريو غرق المدينة الساحلية المصرية بالكامل وابتلاع البحر المتوسط لها، استنادًا إلى العديد من الدراسات العلمية المحلية والعالمية.
ويعتقد خبراء أن العاصفة، غير المسبوقة، التي ضربت المدينة وتخللتها أمطار رعدية غزيرة وتساقط للثلوج مع رياح شديدة تجاوزت سرعتها 50 كيلومترًا في الساعة وسط أجواء مناخية قاسية، ناتجة عن انفجارات شمسية أدت إلى وصول بعض الجسيمات إلى الغلاف الجوي للأرض.
واستعاد نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرات سابقة صادرة عن الأمم المتحدة من أن ثلث المدينة على الأقل سوف يغرق بالكامل تحت الماء بحلول عام 2050؛ إذ سيُضطر رُبع سكانها البالغ عددهم ستة ملايين نسمة إلى ترك منازلهم، وقد لا تنجو آثارها القديمة وكنوزها التاريخية من الخطر.
وسبق أن حذرت دراسة حديثة صادرة في مارس الماضي عن "الجامعة التقنية الألمانية" بميونخ من أن استمرار التغيرات المناخية العنيفة قد يؤدي إلى غرق الإسكندرية، إحدى أعرق مدن البحر المتوسط.
وأشارت الدراسة إلى ارتفاع حالات انهيار المباني من مبنى واحد سنويًّا إلى 40 حالة، مع زحف المياه المالحة إلى أساسات المنازل، كما أنه على مدى 20 عامًا، انهار أكثر من 280 مبنى، بمعدل 10 أضعاف ما كان يحدث في العقود السابقة.
وأرجعت الدراسة هذا الخطر إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الشواطئ، فضلًا عن وجود أخطاء قديمة في التخطيط العمراني وتسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، مشيرة إلى أن مناطق غرب الإسكندرية وحي الجمرك ووسط المدينة هى الأقرب للخطر حيث تصل معدلات التآكل إلى 31 مترًا سنويًّا.
وعلق الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، على نتائج الدراسة بالقول إن التغيرات المناخية تهدد 3 مدن في العالم هي ميامي وشنغهاي والإسكندرية، مؤكدًا أن نسبة الارتفاع في مستوى سطح البحر والأمواج لا تتجاوز المعدلات الآمنة بشكل يُستبعد معه غرق مدينة بحجم الإسكندرية.
ولفت إلى أن الإسكندرية تضم أكثر من 500 ألف مبنى، فإذا انهار 40 مبنى سنويًّا، فهذه نسبة لا تدعو للخوف، خاصة أن انهيار المنازل لم يكن بسبب عوامل النحت أو الملوحة أو التآكل، وإنما بسبب أنها منازل قديمة للغاية صدرت بحقها قرارات إزالة أو أنها بُنيت بالمخالفة للحد الأقصى من عدد الطوابق، وفق قوانين البناء.
وتعد مدينة الإسكندرية ثغر البحر الأبيض المتوسط الباسم وابنته المدللة على مر العصور، تغنى بها الشعراء، ووقع في غرامها الأدباء والفلاسفة من جميع أنحاء العالم، حيث تحتوى دروبها وأزقتها على بصمات وطبقات متراكمة لحضارات وثقافات توالت عليها، وكأنها أميرة مزهوة تخبىء التاريخ تحت وسادتها.
يمزج ماضيها العريق بين حضارات الإغريق، والرومان، والفراعنة، والبطالمة، والعرب، في سبيكة فريدة من نوعها.
أسسها أشهر الفاتحين في العالم القديم، الإسكندر الأكبر، عام 331 قبل الميلاد، عن طريق ردم جزء من المياه يفصل بين جزيرة ممتدة أمام ساحل المتوسط تدعى "فاروس"، لتظل عاصمة مصر الأولى حتى الفتح العربي، وهدية القائد العسكري النابغة إلى العالم.
وتحمل "لؤلؤة المتوسط" بصمة قوية من التاريخ الروماني تحديدًا، يتجسد في أكثر من موضع مثل "عمود بومباي" الذي تم تشييده تكريمًا للإمبراطور الروماني "ديوكلسيان"، ويعد من أهم الأعمدة المتراصة التي أبصرت النور عبر التاريخ.
وهناك أيضًا "المسرح الروماني" الذي تم اكتشافه بالمصادفة عام 1960 في منطقة "كوم الدكة"، وجرى ترميمه وإحياؤه على أعلى مستوى ليضاهي حالته القديمة في زمن الإمبراطورية الرومانية، ويعد المسرح حاليًّا وِجهة مميزة للأنشطة الفنية والموسيقية.