ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
في مشهد أقرب إلى أفلام الجريمة والتشويق، تتسلل غواصات بدائية الصنع عبر ظلام المحيط الأطلسي، محملة بأطنان من الكوكايين الكولومبي عالي الجودة، نحو شواطئ إسبانيا الوعرة.
لكن خلف هذه الرحلات الانتحارية تقبع صناعة منظمة، تتحد فيها كارتلات أمريكا الجنوبية مع عصابات أوروبية، في سباق خطير لإغراق القارة البيضاء بـ"الذهب الأبيض".
رحلة في "نعش عائم"
في تقرير ميداني لصحيفة "ذا صن"، وصف الصحفي وليام هارفي، الغوص داخل أول غواصة مخدرات تم اعتراضها في المحيط الأطلسي العام 2019، بأنها "تجربة داخل نعش عائم".
تم بناء الغواصة التي سُمّيت "تشي" في غابات الأمازون من الألياف الزجاجية البدائية، وقادها ثلاثة رجال عبر 4,000 ميل من المحيط، في رحلة استمرت 28 يومًا محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين تُقدّر قيمتها بأكثر من 120 مليون جنيه إسترليني.

الرحلة كانت مخاطرة قاتلة، في ظل انعدام وسائل الراحة، وضعف التهوية، وغياب دورة المياه، ناهيك عن مواجهة تيارات المحيط الأطلسي القاسية... لكنها نجحت جزئيًا، حتى لحظة رصدها قرب ساحل غاليسيا من قبل الشرطة الإسبانية بدعم من الاستخبارات البريطانية.
أسطول تحت الماء
بعيدًا عن كونها حادثة فردية، فتحت "تشي" الباب أمام سلسلة من الاكتشافات المشابهة، إذ تم رصد ثماني غواصات أخرى على الأقل منذ 2019، بعضها اعترضته البحرية البرتغالية والشرطة الإسبانية وهي في طريقها إلى أوروبا، محملة بأطنان من الكوكايين.
ويعتقد خبراء مكافحة الجريمة أن هذه الوسيلة – رغم بدائيتها – أصبحت مفضلة للتهريب؛ بسبب قدرتها على التملص من الرادارات، واعتمادها على تقنيات منخفضة التقنية يصعب اختراقها إلكترونيًا.

"ساحل الكوكايين"
في إسبانيا، أصبح "ساحل الكوكايين" في غاليسيا مسرحًا رئيسًا لهذا النوع من التهريب، حيث تتعاون العصابات اللاتينية مع المهربين المحليين مستفيدين من خبرتهم في الملاحة وظروف المنطقة الجغرافية المعقدة.
وبحسب مسؤولين في مكافحة المخدرات، فإن أغلب الشحنات تمر لاحقًا عبر مافيا موكرو من أصول مغربية، والعصابات الألبانية، لتصل إلى قلب أوروبا، خصوصًا بريطانيا، التي تسجل ثاني أعلى معدل لاستهلاك الكوكايين في العالم.

إرث قديم
يعود تاريخ استخدام الغواصات لنقل المخدرات إلى ما قبل العام 2006، وفقًا لخافيير، مسؤول الجمارك في ميناء فيغو، الذي قال إن المهربين المحليين لطالما امتلكوا معرفة بحرية تجعلهم شركاء مثاليين للكارتلات.
وفي تصريح لافت، أشار إلى أن المهربين اليوم يفضّلون تفريغ الشحنات في البحر قبل أن تلتقطها قوارب سريعة، بينما تُغرق الغواصة بعد إتمام المهمة.
تحالف دولي
تعمل الشرطة الإسبانية بالتعاون مع الوكالة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة وأجهزة استخبارات دولية لتعقب هذه الشبكات.

وتُستخدم طائرات مزودة بكاميرات حرارية للكشف عن حرارة المحركات وسط أمواج الأطلسي، إضافة إلى زوارق مسلحة وقوات خاصة جاهزة للتدخل.
إلا أن ما يخيف السلطات أكثر هو تحول العنف المصاحب لكارتلات أمريكا اللاتينية إلى إسبانيا، مع ظهور علامات على تزايد استخدام الأسلحة النارية واندلاع مواجهات دموية محتملة بين العصابات المتنافسة.
مقابر الغواصات
ما كان في السابق قصصًا تُعرض في مسلسلات مثل "عملية المد الأسود"، صار الآن واقعًا مقلقًا.
فقد تم العثور على "مقابر غواصات" قبالة جزر الكناري، ويُعتقد أن عشرات السفن أُغرقت بعد إتمام مهامها. بعض المهربين يختفون دون أثر.
في مواجهة هذا التهديد العابر للقارات، تواصل السلطات الإسبانية رفع الصوت والمطالبة بدعم دولي. كما دعا نشطاء مثل فرناندو ألونسو – مدير جمعية مكافحة المخدرات في غاليسيا – إلى استعادة سمعة المنطقة التي شوّهها لقب "ساحل الكوكايين".
يقول فرناندو: "إنه ليس فيلمًا… إنها الحقيقة المظلمة التي تعيشها منطقتنا، وعلينا مواجهتها."