الكسل ليس بالضرورة شيئًا سلبيًا أو مؤشرًا يدل على التراجع والخذلان، بل يمكن أن يكون فعلًا إيجابيًا إذا ما أجيد استغلاله، بحيث يتحول إلى "استراحة محارب" أو "هدنة سريعة" لإعادة ترتيب الأوقات، بشرط ألا يتحول إلى نمط حياة.
تمثل تلك الفكرة محور كتاب "فن الاستلقاء" الصادر عن دار "العربي" بالقاهرة للباحث الألماني بيرند برونر، ترجمة الدكتور سمر منير، ويشدد المؤلف على أهمية لحظات الاسترخاء في حياة إنسان العصر الحديث باعتبارها فرصة لالتقاط الأنفاس وسط ضغوط العمل اليومي التي لا ترحم.
ويشير بيرند برونر إلى أن السرير أو الأريكة يكتسبان هنا معان أخرى جديدة فهما اللذان يشهدان عملية الاستلقاء وبالتالي يتحولان إلى ساحة مفتوحة للخيال وشطحات الأفكار المتحررة من أسر الواقع والأحلام والرؤى المستقبلية، فضلًا عن قراءة كتب شيقة، كما أنهما يحتضنان لحظات هزيمتنا العاطفية من حزن أو اكتئاب.
ومن الواضح أن أعظم القرارات التي يمكن أن تغير مسار حياتنا، ربما نتخذها أثناء حالة عميقة من الاسترخاء ونحن في وضع جسدي مريح من الناحية الفسيولوجية، إذا أجدنا اختيار الوضعية الصحيحة للاستلقاء.
كما أن الكسل عبر الاسترخاء يوفر عدة مزايا أخرى منها إعادة شحن بطارية الفعل والإنجاز لدى الشخص، مع تأمل يومه بهدوء والتفكير بروية فيما يكتنف حياته من مصاعب أو مشكلات.
والفكرة هنا أن وضعية الاستلقاء المريحة كثيرًا ما تمنح الفرد فرصة ذهبية للتفكير بذهن صاف بحيث يرى أشياء تبدو واضحة أو بديهية، لكنها رغم ذلك كانت غائبة عن تفكيره الذي كان مشوشًا أو مضغوطًا بسبب لحظات الانفعال أو الإحباط أو الغضب.
وهنا يشبّه المؤلف متاعب وضغوط الحياة اليومية بمثابة "ضباب كثيف" يحجب عنا الرؤية الصحيحة، فيأتي الاستلقاء وكأنه شعاع شمس قوي يبدد هذا الضباب ويمنحك القدرة على الحكم السليم على الأشياء كما هي، وبالتالي يصبح الوصول إلى القرار النهائي الصحيح، شيئًا في متناول اليد.
وعلى هذه الخلفية، يرفض الباحث الألماني الفهم الخاطئ لعصرنا باعتباره عصر السرعة والكفاءة والذي يتطلب بالضرورة البقاء طوال الوقت في حالة حركة ونشاط ملموس سواء على الأرض أو خلف الشاشة على المكتب، مؤكدًا أن الكسل والاسترخاء في وضعيات مريحة على السرير أو الأريكة هما أيضًا من متطلبات النجاح.