يغوص المخرج التونسي توفيق الجبالي في قضايا الإنسان المعاصر، بأفكاره المتناقضة والزوايا المظلمة التي يتحرج الدخول إليها، من خلال مسرحية "المجنون" المقتبسة عن نص للأديب اللبناني جبران خليل جبران.
المسرحية التي عُرضت الليلة الماضية ضمن مهرجان "أيام قرطاج المسرحية" في العاصمة التونسية هي نسخة متجددة من المسرحية التي كان الجبالي قد أنتجها وأخرجها قبل سنوات، وأضفى المخرج في هذه النسخة تصورا خاصا ورؤية متفردة جمعت بين "الكوميديا السوداء"، التي عُرف بها الجبالي في أعماله المسرحية، ورومانسية جبران خليل جبران.
وتابع جمهور قاعة "التياترو" بالعاصمة التونسية عرض المسرحية التي يؤدي أدوارها مروان روين وآمال العويني وفاتن الشاذلي وياسين الديماسي، إضافة إلى أصوات توفيق الجبالي ونضال قيقة وهندة بن رحيم ودرة زروق وشاكرة رماح.
واستخدم المُخرج توفيق الجبالي، الذي يُعدّ أحد أقطاب المسرح التونسي الحديث، تقنيات مختلفة لتجسيد حالة "الجنون" على خشبة المسرح، بدءا بالأضواء التي كانت ذات دلالة رمزية وقد بتت خافتة وطغى الظلام على مختلف زوايا المسرح، مرورا بالمرافقة الموسيقية لبعض مشاهد المسرحية ووصولا إلى الحركة التي كانت كثيفة وفي مختلف الاتجاهات على خشبة المسرح، وعبّر عنها الممثلون برقصات وقفزات عكست حالة من الاضطراب.
ونجح توفيق الجبالي في تحرير نصوص جبران من طابعها الإنشائي، وتحويلها إلى خطاب مسرحي وتطويعها في خدمة المقصد من هذه المسرحية، وتوسيع دائرة تأويل كلّ جملة منطوقة أو كلّ حركة ليفسح المجال للمشاهد لإعادة اكتشاف ذاته من خلال قضايا يعيشها لكنه يرفض ربما أن يخوض فيها أو أن يقتحم زواياها المخيفة، خشية النظرة المجتمعية.
وتمثّل مسرحية "المجنون" واحدة من الأعمال المسرحية التي تم الاشتغال على نصّها ومحتواها مرارا، وتم تطويرها وبعث نسخ جديدة منها في كلّ مرة بروح مختلفة وتصور آخر أكثر جذبا للجمهور. واعتبر الجبالي في هذا السياق، في كلمة مقتضبة بعد العرض، أن المتفرج يحتاج أصواتا مختلفة تخرج به من إيقاع الحياة الحالية ومشاغلها المعروفة.
وكان الجبالي قد قدّم مسرحية "المجنون" لأول مرة سنة 2000، وأعادها إلى الحياة مرات عديدة، وقال المخرج إن كل نسخة من المسرحية تحمل تجديدا ورؤية مختلفة من وحي الأحداث والواقع، وإيمانا منه بحاجة الإنسان دائما للعودة إلى المنابع الإنسانية الخالدة.
وأكد الجبالي، في وقت سابق، أنّه اختار نص "المجنون" لجبران، من بين نصوص أخرى عتيقة من كتاب أصدره جبران سنة 1918، ليسلط عليها "أقباساً من النور المسرحي"، وفق تعبيره، كاشفاً حكمة جبران، ومسايراً خطى من قال إنّه "وجد بجنونه الحرية والنجاة معاً: حرية الانفراد والنجاة من أن يدرك الناس كياني، لأن الذين يدركون كياننا إنّما يستعبدون بعض ما فينا"، بحسب قوله.
وتوفيق الجبالي هو ممثل ومخرج مسرحي تونسي ومؤسس فضاء "التياترو" سنة 1987 أول فضاء مسرحي خاص في تونس، ومن أشهر أعماله "كلام الليل" و"عشق أباد" و"عطيل" و"مذكرات ديناصور" و"ضد مجهول".