يتضمن كتاب "حوارات نجيب محفوظ" الصادر عن دار "الكرمة" في القاهرة خلاصة الأحاديث الصحفية التي كان يجريها الكاتب المصري محمد سلماوي أسبوعياً بانتظام مع عميد الرواية العربية لصالح جريدة "الأهرام" منذ العام 1994وحتى وفاته 2006.
وتكشف تلك الحوارات عن العديد من المفاجآت والأسرار التي تتضمن وقائع غير معروفة أو عادات شخصية غير شائعة حول محفوظ، على نحو يرسم ملامح "الوجه الآخر" للأديب العربي الحاصل على جائزة نوبل في الآداب.
ويأتي وراء إجراء تلك الحوارات قصة لافتة، فقد أدى الاعتداء الآثم بالسكين على محفوظ من جانب شاب متطرف إلى فقد الأخير القدرة على الكتابة، وبالتالي توقف عن كتابة مقاله الأسبوعي في "الأهرام" الذي كان منتظماً في نشره طوال 20 عاماً تحت عنوان "وجهة نظر".
وكان سلماوي يحظى بتقدير محفوظ، لكنه لم يكن من المقربين منه للغاية، حتى أنابه ليسافر بدلاً منه لاستلام جائزة نوبل من الأكاديمية السويدية، ويلقي خطاب التتويج العام 1988، وهو القرار الذي جاء بمثابة مفاجأة كبرى، حيث كان هناك أدباء آخرون يستعدون لنيل ذلك الشرف نتيجة قربهم الشديد من محفوظ، الذي ربما كان يستشعر شيئاً من "الانتهازية" أو "الغرض" في هذا القرب.
وقال "صاحب الثلاثية" لسلماوي إنه يرفض أن يتقاضى راتباً من "الأهرام" نظير مقال لم يعد قادراً على كتابته حتى لو كانت تلك رغبة الصحيفة، فاقترح سلماوي أن يُملي عليه محفوظ ما يريد قوله، لكنه رفض وطالبه أن يزوره مرة كل أسبوع، ويتناقشان حول قضية، ثم يكتب سلماوي خلاصة النقاش على شكل تصريحات صحفية تحت عنوان "حوارات نجيب محفوظ".
المدهش أن "أديب نوبل" سامح الشاب الذي طعنه بالسكين، حيث روى الواقعة في أحد تلك الحوارات قائلاً، إنه خرج من منزله للقاء الأصدقاء حيث كان ينتظره صديقه الطبيب فتحي هاشم بسيارته أمام منزله بحي "العجوزة" في القاهرة.
استقل محفوظ السيارة، وكان زجاج النافذة مفتوحاً، فإذا بشاب يقترب منه بخطوات ثابتة، فظن أنه "معجب" يريد مصافحته أو يحصل على توقيعه، لكن الشاب رفع سكيناً حاداً وطعنه في عنقه ولاذ بالفرار بعد أن رأى شلالاً من الدم ينبثق بقوة من الرجل الذي يبلغ من العمر، آنذاك، 83 عاماً.
يقول محفوظ:" إن هذا الشاب ضحية المجتمع والفتاوى المتطرفة التي جعلته مجرماً، في حين كان من الممكن أن يكون بطلاً رياضياً".
ويضيف:" بالطبع أسامح الشاب، لأنه مغرّر به، ولايدري ماذا يفعل، لكنني لا أملك العفو عنه، لأن القانون سيأخذ مجراه حتماً".
حين حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل كانت قيمتها تعادل ما يزيد قليلاً على مليون دولار، قسمها بالتساوي بينه وبين زوجته ونجلتيه، لكن المفاجأة أنه تبرّع بقيمة نصيبه بالكامل لمرضى الفشل الكلوي في مصر، حيث كان يعلم الكثير عن معاناتهم، وارتفاع تكلفة العلاج على نحو لا يتحمله كثيرون منهم.
أما أول جائزة يحصل عليها فهي جائزة "قوت القلوب الدمرداشية" العام 1943، حين كان عمره 32 عاماً، والتي تحمل اسم سيدة مجتمع مثقفة وثرية أرادات تشجيع الأدباء الشبان فدشنت جائزة قدرها 40 جنيهاً وهو مبلغ معتبر آنذاك.
حصل محفوظ على الجائزة عن روايته التي تدور في أجواء التاريخ الفرعوني "رادوبيس"، مناصفة مع أديب آخر هو أحمد علي باكثير عن روايته "سلاّمة" التي تحولت، لاحقاً، إلى فيلم سينمائي، بطولة أم كلثوم.
الطريف أن محفوظ أنفق الجائزة على أقاربه وأصدقائه عبر هدايا وولائم و"عزومات" لا تنتهي، وكان أصدقاؤه إذا رأوه يقتني حذاءً جديداً صاحوا: "رادوبيس!"، وإذا اشترى سندوتش جبن صاحوا: "رادوبيس!".
لم يحب نجيب محفوظ السفر أو يقبل عليه، وكان لديه خوف "شبه مرضي" من ركوب الطائرات، ولم يسافر خارج مصر إلا لأسباب "اضطرارية" في حقبة الستينيات إلى اليمن، ويوغسلافيا، ضمن وفد رسمي في رحلة لم يستطع الاعتذار عنها.
كما يكشف الكتاب عن تلقيه جلسات علاج نفسي بشكل منتظم عبر صديقه المقرب الطبيب الشهير يحيي الرخاوي الذي كان يخشى عليه من الوقوع في براثن الاكتئاب بعد تعرضه لحادث محاولة الاغتيال.