يحافظ مسجد عمر بن الخطاب في القدس، رغم مساحته الصغيرة وبنائه المتواضع، على مكانته وشهرته في المدينة العريقة التي تضم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وهما معلمان بارزان في العالمين الإسلامي والمسيحي.
فقد اكتسب المسجد مكانته التاريخية من مكانة عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني في الإسلام، وأول من دخل القدس فاتحاً لها دون معارك، سنة 636 ميلادية الموافقة للعام 15 للهجرة.
إذ صلى الصحابي في موقع المسجد الحالي بعد حادثة شهيرة نقلتها روايات التاريخ، قبل أن يقرر أحد حكام المدينة بعد نحو 600 عام، بناء مسجد في المكان ذاته، ليصبح مسجد عمر بن الخطاب الحالي.
كان عمر بن الخطاب في كنيسة القيامة برفقة البطريرك صفرونيوس خلال تسلم إدارة المدينة، عندما حان وقت إحدى الصلوات، فقرر الخليفة أداءها خارج الكنيسة رغم عرض صفرونيوس عليه، الصلاة داخلها.
ووفقاً للرواية التاريخية، أبلغ عمر مضيفه أنه يخشى أن يصبح مكان صلاته سبباً للنزاع في المستقبل حول الكنيسة، فخرج منها وابتعد مسافة عنها، وفرش عباءته وصلى في موقع بنى فيه المسلمون فيما بعد بالفعل المسجد الحالي.
كما يعد المسجد شاهداً على العهدة العمرية، ففي تلك الزيارة لكنيسة القيامة، وقَّع عمر بن الخطاب وثيقة تاريخية شهيرة، يمنح فيها الأمان لسكان المدينة وكنائسهم، قبل أن يتوجه للصلاة في الموقع الذي صار مسجداً يحمل اسمه.
ويشكل ذلك التاريخ، أبرز ما في المسجد، وهويته التي عُرف بها بدلاً من القباب والمآذن والزخارف التي تميّز الكثير من المساجد في العالم الإسلامي.
حيث يُروى لزوار مسجد عمر بن الخطاب الكثر، وزوار كنيسة القيامة القادمين من مختلف دول العالم، وهم يشاهدون مسجداً صغيراً قرب الكنيسة العريقة، حكاية دخول المسلمين للمدينة بقيادة عمر بن الخطاب.
فيما يعود التاريخ العمراني للمسجد إلى الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي في عام 1193 ميلادي، عندما أمر ببنائه في الموقع الذي صلى فيه بن الخطاب، وكان الموقع معروفاً للجميع في المدينة.
ويتكون المسجد من مبنى الصلاة الذي ينقسم لرواقين، ويقف سقفه على أعمدة وقناطر حجرية، بينما تنتصب قربه مئذنة ارتفاعها 15 متراً، وقد بنيت بعد المسجد، وخضعت للترميم في الحقبة العثمانية.
وتقام في المسجد صلوات الفروض اليومية، ولا تقام فيه صلاة الجمعة التي يفضل سكان المدينة القديمة من المسلمين، أداءها في المسجد الأقصى العريق.