في مشهد مؤثر، تقدَّم أحد أفراد عائلة "المتناوي" وسط السرادق وهو "يحمل كفنه" ويقدمه إلى عائلة "السعادنة"؛ ليحقن الدماء وينهي سنوات طويلة من الخصومة الثأرية بين اثنتين من كبار عائلات محافظة "بني سويف" التي تنتمي إلى إقليم الصعيد، جنوبي مصر.
والواقعة شهدتها قرية "بني عدي" التابعة لمركز "ناصر"، كجزء من مراسم الصلح وسط أجواء من المباركة والتشجيع، بحضور شعبي ورسمي واسع، تخلله استقبال العزاء في فقيد عائلة "السعادنة" الأخير الذي قُتل على يد أبناء "المتناوي"، ليكون ذلك بمثابة إعلان رسمي بفتح صفحة جديدة يسودها التسامح والوئام بين العائلتين.
وأشرف على إجراءات الصلح عدد من القيادات الأمنية بالمحافظة يتقدمها كل من اللواء أسامة فتحي، مساعد مدير أمن بني سويف، واللواء محمد الخولي، مدير إدارة البحث الجنائي، والعميد إبراهيم أبو دومة، رئيس مباحث المديرية.
وأكد الحضور في اللقاء أن ما جرى يُعد نموذجاً يُحتذى في وأد الفتن الثأرية، ونشر ثقافة التصالح ونبذ العنف، داعين إلى تعميم مثل هذه المبادرات في ربوع محافظات الصعيد.
ويرمز حمل الكفن في الثقافة الشعبية لدى أبناء الصعيد إلى إقرار أحد الطرفين، الذين تشتعل بينهم خصومة الثأر والقتل المتبادل نتيجة خلافات حادة وأزمات عنيفة يرثها الأبناء عن الآباء، بخطأه تجاه الطرف الآخر ورغبته في أن يفتدي نفسه وأبناء عائلته من القتل على يد العائلة الأخرى التي تبحث عن الثأر.
وينطوي إقدام أحدهم على تلك الخطوة على شجاعة نادرة؛ لأن البعض من المتشددين ربما ينظر إليها على أنها نوع من "الضعف والاستستلام" أو أنها إقرار بقوة الخصم وعدم القدرة على مجابهته.
وترفض عائلات الصعيد المنخرطة في مسلسل الثأر تلقي العزاء في ابنها الذي يلقى حتفه على يد العائلة الأخرى إلا بعد أن يثأروا له بقتل واحد من أبناء الخصوم، ومن هنا تبرز دلالة تلقي العزاء من جانب عائلة "السعادنة"، والذي جاء بمثابة الصفح عن عائلة "المتناوي".