تواجه الحكومة السورية تحديات كبرى في ظل اقتصاد أنهكته الحرب وخزينة شبه فارغة، حيث تسعى جاهدة لضمان الاستقرار وتجنب الأزمات المتفاقمة.
وبينما يرى بعض الخبراء أن الأولوية تكمن في إعادة تأهيل قطاع الطاقة لتقليل الاعتماد على الواردات وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية، يؤكد آخرون أن العقوبات الاقتصادية تشكل العائق الأكبر أمام تحقيق أي تقدم ملموس.
في المقابل، هناك من يعتقد أن الحل يكمن في تحفيز القطاع الخاص، وفتح قنوات جديدة للتجارة والاستثمار الخارجي، لا سيما مع الدول غير الخاضعة للعقوبات، لتعزيز الموارد المالية وتحقيق انتعاش اقتصادي تدريجي.
ومع استمرار التحديات الأمنية والسياسية، يبقى تحقيق التوازن بين هذه العوامل مفتاحا للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وقال الخبير الاقتصادي السوري أحمد أديب أحمد إن إحدى الأولويات العاجلة التي يجب التركيز عليها هي تطوير مشاريع الطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على الواردات، مع ضرورة إصلاح وصيانة البنية التحتية لمحطات توليد الطاقة وتوسيع شبكة الكهرباء.
وأكد لـ "إرم نيوز" على أهمية تشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة من خلال شراكات دولية وإقليمية لدعم هذا القطاع الحيوي.
وأضاف أحمد أنه من أجل تحقيق تقدم اقتصادي ملموس، يجب تنفيذ إصلاحات هيكلية تهدف إلى تعزيز مناخ الاستثمار وتسهيل الإجراءات، بالإضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد من خلال تطوير قطاعات الصناعة والزراعة.
كما أشار إلى ضرورة الحصول على دعم مالي وتقني من المؤسسات الدولية والدول الصديقة؛ ما يتطلب التفاوض على تخفيف العقوبات الاقتصادية والعمل على إيجاد حلول دبلوماسية تسهم في تعزيز التعاون مع المنظمات الإنسانية لتلبية احتياجات السكان الأساسية.
وأوضح أن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب أن تركز الحكومة السورية على تعزيز الاستقرار والأمان وبناء الثقة مع مكونات المجتمع، بالإضافة إلى وقف المظاهر المسلحة ومكافحة الجرائم التي تؤثر سلبا على الأمن والاستقرار.
وأكد أن تحقيق العدالة الاجتماعية بين مكونات المجتمع يمثل خطوة أساسية لتعزيز الاستقرار، مع ضرورة ضمان توزيع عادل للموارد والخدمات وتقليل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية.
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي إياد أنيس محمد إلى أن الإدارة السورية الحالية استلمت الملف الاقتصادي في مرحلة صعبة، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي يتجه نحو تدهور أكبر؛ إذ تم تجفيف السيولة النقدية في السوق السورية بدلا من زيادة الموارد؛ ما أدى إلى توقف عجلة الإنتاج وخروج العديد من المصانع من الخدمة بسبب المنافسة من البضائع المستوردة.
وأكد لـ "إرم نيوز" أن وزارة الاقتصاد والحكومة تحاول معالجة هذا الوضع من خلال تعديل القوانين، لكن الوضع الاقتصادي يبقى خاضعا بشكل كبير للتأثير الخارجي، خصوصا فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية وخرود منابع الطاقة السورية من شرق الفرات.
وأشار محمد إلى أن الوضع الاقتصادي يعتمد بشكل كبير على التفاوض السياسي والتحديات التي قد تطرأ على الحكومة القادمة بعد حكومة الإنقاذ، مؤكدا أن هذه التحديات تتضمن التعامل مع سعر صرف مرن قابل للتحكم مع انفراج السيولة النقدية المحبوسة حاليا.
ورأى أن الدعم الخارجي يمكن أن يكون له دور كبير في تحريك الوضع الاقتصادي، خصوصا في حال تم تحرير منطقة شرق الفرات؛ ما قد يسهم في ضخ مواد الطاقة الأساسية وعودة المعامل والمصانع.
ورغم الصعوبات، أكد أن هناك ثروات حقيقية تبعث على التفاؤل، مثل مخزون سوريا الهائل من الفوسفات، والذي يمكن استغلاله لتوريد كميات منه إلى دول لم تفرض عقوبات على سوريا، مثل الهند، لتحقيق قطع أجنبي سريع.
واقترح تحرير بعض القوانين المتعلقة بالصادرات ودعمها، خاصة في ظل كون سوريا سلة غذاء لدول الجوار، مشددا على أهمية توقيف الرسوم على الصادرات وتشجيع الحركة البحرية.
واعتبر أن تفعيل القطاع الصناعي والتوجه نحو المعارض الخارجية سيكون له دور كبير في تسويق المنتج السوري.
واختتم بالتأكيد على أهمية تشجيع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر لامتصاص الفائض من العمالة التي يبلغ عددها 400 ألف فرصة عمل فائضة عن حاجة القطاع العام.
وأشار إلى أن الوصول إلى تفاهمات سياسية من شأنه أن يفتح باب إعادة الإعمار، وهو الطريق نحو إدارة عجلة الإنتاج والانطلاق نحو الاستقرار.