تقدم القاصة السودانية آن الصافي العديد من المشاعر الإنسانية، وتأثرها بالحداثة التكنولوجية، وامتداد ذلك للتغير في صفات الإنسان وعاداته وتقاليده، عبر الزمن، من خلال المجموعة القصصية "حُب" الصادرة عن دار فضاءات للنشر، والفائزة بجائزة الطيب صالح 2022.
وتتناول المجموعة العديد من المشاعر التي يمر بها الإنسان خلال رحلته في الحياة، حيث العلاقات العاطفية المنتهية، ومشاعر الولادة، وشعور الإنسان حيال موت الآخرين، وتهيّب ذلك، كما وتتناول الوفاء للموتى، والتعبير عنها بعلاقة الإنسان مع الصور، كما وتكتب عن المشاعر البديلة التي يحملها الإنسان في لحظة ما من الحياة، ليستطيع الإكمال، عبر أطراف صناعية، هي الإضافة التي لم يكن يتوقعها، أنها سبيله ليكمل ما يشبه الحياة.
وتناقش الكاتبة قدرة الإنسان على صنع قصته الخاصة مع العالم، وإن تشابه الحدث، كمتداول بين الأشخاص، لأنها ترى بأن لكل منا قصته الذاتية، وطريقة وصف خاصة للأشياء، مبينة قيمة التجربة وأثرها في صنع الذات الإنسانية.
تقدم الكاتبة خلال قصة "شلوخ صغيرة" التقاليد السودانية، متمثلة بالشلوخ الصغيرة التي كانت الجدات السودانيات يرسمنها على الخدود.
كما تضع الكاتبة على مسرح التحليل، أفكاراً تتعلق بالأسرة كهيكل مؤثر على تشكيل الإنسان، إذ تبرز بعض التفاصيل واليوميات، التي تتداخل فيها المشاعر، بحيث تلغي المساحة الخصوصية للمرء، ويصير عليه أن يخضع لهذا النظام الاجتماعي.
شلوخ على الجلد
وتكتب القاصة آن الصافي؛ حول عادات الزواج في السودان، والإعداد للأفراح، متناولة التقاليد السودانية القديمة، المرافقة للأفراح والاحتفالات، من خلال قصة زواج لم تتم، بسبب تقاطع المشاعر تجاه الخطيبة، وحبيبة سابقة، تعاني من المرض داخل قلب العريس، وتكون النهاية كافتراق مصبي نهر، بطبيعة الحال، وانتقال كل سيل من الماء في حال سبيله.
وتوصف القاصة مشاعر الحيرة والألم، جراء هذا التقاطع غير الطبيعي، مبينة أثره على المشاعر الإنسانية.
ويمضي القوس القصصي غائراً خلال السرد، دون تزايد في العصف، أو نمو في الحدث، فكانت النهاية هي التي تحمل صوت القصة الذي يحمل فكرتها الرئيسة.
ويختبئ الصوت المعرفي للقصة، مُتماهياً ما بين الحوارات القليلة، التي تتم ما بين سعاد وصديقتها، وكذلك المحادثات الإلكترونية ما بين العروس والعريس، والتي تظهر كذلك عادة السودانيين في الميل للزواج المبكر.
وتقدم الكاتبة خلال قصة "شلوخ صغيرة" التقاليد السودانية، متمثلة بالشلوخ الصغيرة التي كانت الجدات السودانيات يرسمنها على الخدود، وتلمح كذلك إلى التغيرات التي تطال هذه العادات، من خلال تغييرها بفعل المعاصرة، أو التخلي عنها، إلا أنها تبين حميمة هذه العادات، من خلال إظهار صوت التمسك بها، من قبل الطفلة فاطمة، التي تظهر في هذه العادة الحب لجدتها.
هذه الزينة التي اتبعتها الجدات السودانيات والأفارقة، تتم عبر وشم الجلد بأدوات معدنية، كنوع من الوقاية الطبية، وتحمل كذلك معاني تشتمل على الوفاء والجمال والشجاعة والصبر.
جاءت الخطة السردية للمجموعة مقسمة على أربعة أقسام هي: (نوافذ، حالات، حُب، والقصة) وقدمت آن الصافي خلال كل قسم العديد من القصص التي امتدت على 190 صفة من القطعة المتوسط.
ويمكن التقاط الرمزية التي تحملها القصة، حيث الشلوخ الصغيرة على الجلد، التي تمثل ندبة مكررة، تمضي لتصنع شكلها الأخير، هي ذاتها ولكن في سياق آخر، الندب التي تتركها العلاقات في ذات الإنسان، والتي من بعدها يصير الوعي أكثر نضجًا ووسعًا.
أقسام وأدوات
وجاءت الخطة السردية للمجموعة مقسمة على أربعة أقسام هي: (نوافذ، حالات، حُب، والقصة) وقدمت آن الصافي خلال كل قسم العديد من القصص التي امتدت على 190 صفحة من القطعة المتوسط.
واتسمت لغة المجموعة بالسلاسة والسردية البحتة، مع الدمج ببعض المقاطع الشاعرية، مثلما حدث في خاتمة قصة "شلوخ صغيرة".
وتغيرت الأدوات التقنية لصناعة القصة لدى الكاتبة من قصة لأخرى، حيث حافظت في بعض المواطن على أدوات التشويق والجذب الشعوري، في طريقها للإحماء نحو قمة القوس القصصي، كما في قصة "حب"، وفي مناطق أخرى طالت المقدمات السردية.
قصص قصيرة جدًّا
كما قدمت الكاتبة خلال مجموعتها العديد من القصص القصيرة جدًّا، التي اختصرت تكوينها، وجعلتها مكثفة عبر اللغة والإيقاع النثري، ومضت كأنها ومضات تميل للشاعرية والتلميح الخاطف، ومنها:
"نظارة شمسية، تسدد في كل مرمى، نظرات لا تخفى على أحد، استقل عربة أجرة، في منتصف الطريق، حملها بين يديه، قبلها ووضعها في جيبه، صورة أمه الراحلة".
فيما تصنع القاصة، مفارقة شديدة الخصوصية، حول المشاعر الإنسانية التي تشهد تجارب عصرية مغايرة، عبر الأدوات التي تطرحها التقنيات التكنولوجية، حيث تغيرت وتعددت لغة الإنسان في التعبير عن حياته من خلال قصة "حب" التي حملت عنوان المجموعة.
لا تتوقف الكاتبة عن دمج الأدوات الرقمية في سردها، كنوع من المواكبة للتطورات الحياتية الرقمية، التي صارت تشكل جزءًا كبيرًا من شخصية الإنسان.
وتقارن الكاتبة من خلال سردها علاقة حب ما بين امرأة ورجل، طبيعة المشاعر التي تطال الإنسان، من خلال التطبيقات الذكية التي أسهمت في زيادة المساحة للتعارف الافتراضي ما بين الأشخاص، لكن الكاتبة تذهب إلى ما هو أبعد، من خلال حياة متخيلة بالكامل، تقدمها تقنيات "الميتافيرس" حيث الحياة الافتراضية التي تمكن الإنسان من ملء وقته، وإشغال مشاعرهن في عزلة عن العالم.
وتتضح رؤية الكاتبة في ختام القصة، بتلك المساحة الواقعية الأكثر تجاربية وصدقًا، من خلال ممارسة الحياة والانطلاق إليها بعيدًا عن التجربة الذكية التي تمد الإنسان بمشاعر الكثير منها يميل للزيف.
ومن القصة "دخلت إلى هذا العالم، منذ عام، وجدت فيه متعة وتشويقًا، لكن تمر بي فترات من الملل.. أقطن بمفردي..أعاني من القلق والتوتر وربما الاكتئاب. قرأت بعض الآراء تنصح بالدخول إلى عوام الافتراضي ونافذة "الميتافيرس"، فذلك سيجعلني أتغلب على مصاعبي هذه، مصاعب إن جاز التعبير".
أدوات رقمية
ولا تتوقف الكاتبة عن دمج الأدوات الرقمية في سردها، كنوع من المواكبة للتطورات الحياتية الرقمية، التي صارت تشكل جزءًا كبيرًا من شخصية الإنسان، فسردت عن الصورة ثلاثية الأبعاد، وتقاطعاتها مع الخيال الإنساني في الواقع، مبينة امتداد اللحظة الافتراضية على الوعي، كما ونقلت تجربة "البودكاست" الصوتي، خلال تجربتها السردية، مبينة تفاعل المرء معه من خلال حاسة السمع، وتناولت كذلك "الترند" الإلكترونية، كأداة حداثية، تعبر عن حالة الرأي العام في الواقع.
مؤلفات
وصدر للكاتبة مجموعة من الأعمال السردية والكتب الفكرية، التي تبحث في (استشراف المستقبل) وهي روايات: (الغواية 2014م) ، (جميل ناوند 2014م) ، (توالي 2015م) ، (قافية الراوي 2015م) ، (كما روح 2016م) (إنه هو 2017م) ، (مرهاة 2018م) ، (خبز الغجر 2021م) ، ( في حضرتهم 2021م ) ومجموعة قصصية : النبلاء مايو 2022م).