إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية متفرقة على قطاع غزة تقتل 13 فلسطينيا خلال الساعات الأخيرة

logo
ثقافة

قوة الصوت في القصة القصيرة.. أهم أدوات الكاتب المحترف

قوة الصوت في القصة القصيرة.. أهم أدوات الكاتب المحترف
01 نوفمبر 2021، 12:04 م

يتحدد بناء القصة القصيرة تبعا لعدة معايير وضوابط، من شأنها أن تسهم في تقديم تجربة لغوية للقارئ بأدوات وطرق مختلفة، ومن خلال هذه الأدوات يحدث التأثير الشعوري والفكري في الوعي.

وهذا يعتمد على مدى قدرة الكاتب على بناء شخصية رئيسية مؤثرة، وحدث ينمو بالتدريج، بحيث تكون لحظة الاحتباس الحراري (الحبكة) في القصة قوية ومؤثرة، وتضاعف من استدراج الشعور.

ويعتبر الصوت في القصة القصيرة من أهم الأدوات التي يعتمد عليها الكاتب المحترف في صياغة قصته، فما يعاكسه تمامًا الصمت، وكأن اللغة ملاحقة بممحاة، تمحو ما يصنعه الكاتب، وبهذا لا يكون للقصة أي أثر.

إن الصوت في القصة القصيرة هو الآلة التي تنمّي الصراع، وهو الوقود الذي تستمد من خلاله الأحداث طاقتها.

ودون تواجد الصوت في السرد، ستكون القصة مكبلة مملة، وتفتقر لأداة من أهم أدوات نجاحها؛ ولا حتى الصورة تعلق بالذهن مثلما يعلق الصوت.

فصور كثيرة يمكن أن ننساها، لكن الأصوات تبقى تتردد داخلنا، كما يرى الكاتب المغربي الطاهر بنجلون أن "الصوت أكثر من الصورة، يجعل الذاكرة وفية بالأشياء والتواريخ والأحداث".


fb2afbee-8a08-432b-8db2-9c74776e53ae



ذاكرة وأصوات

فما يتبادر للذهن من قصص الكوميكس القديمة في طفولتنا مثل كابتن ماجد وكابتن رابح، الأصوات، فكنا نهتم بصراخ الأبطال أثناء تأدية المهمات، ونخرج لنقلّدها، وحين نعود بالذاكرة إلى الخلف، فإننا نستعيد تمامًا كيف كان صوت الكابتن ماجد أو الكابتن رابح.

والغريب أننا لا نتذكر السرد المرافق للأحداث، بقدر ما نتذكر حدة وليونة وسرعة وعلو وانخفاض الصوت.

حتى في السرد يحدث هذا، مثل أن يقول الكاتب: "مشى الحصان نق نق نق نق" أو وكأن يقول: "سقطت الطائرة بووووم"، خلال قصص الكوميكس المكتوبة في المجلات، فهذه أصوات علقت بأذهاننا منذ الطفولة، ووقت القراءة قمنا بالتخيل، كأن الصوت يحدث حقيقة في داخلنا.

ومن الأصوات التي تلفت انتباه المرء، أصوات الطبيعة، وأصوات الأشياء الجامدة حين يتم تحريكها، فحين يصف الكاتب في قصته، صوت مشية الحصان، فإن الذهن يترجم ذلك إلى حركة وصوت متناغمين، ويتردد الصدى في الباطن، ولربما لا يلتفت القارئ إلى بعض الكلمات التالية لأثر الصوت في داخله، لأن الأثر الصوتي دومًا أعلى من أي أداة في القصة، وهنالك الكثير من الكلمات التي نقرأها في القصص، ونترجمها إلى حركة وصوت، وتبقى في ذاكرتنا للأبد.

فنحن ترسخ فينا الأصوات ونبقى نتذكرها، لكننا لا نتذكر السرد في القصص الكرتونية. وحتى تكون الأصوات في القصة خادمة للسرد لابد للكاتب أن يختار الكلمات بعناية، بحيث يستطيع أن يقنع القارئ بطريقته، وهذا الفعل يسميه الكاتب عامر بن عبد قيس بالانتخاب، فيتساءل: "الكلمة التي تعين الحركة والإشارة والصوت واللون والانفعال، التي تعين أمرا دون غيرها، ما هي؟ وما سر انتخابها".


c902fc5d-73cd-4e07-ad5b-18005c5dc766



أصوات مختلفة

تختلف أشكال الأصوات في القصة القصيرة، حيث يمكن أن يتواجد في القصة صوت خفي، وهو صوت المؤلف، بحيث يتم سرد القصة على شكل ضمير الغائب، وتبقى حاسة الإنسان معلقة مع خيط رفيع، لتمسك بالسياق الذي يريده الكاتب.

هو ليس بشخصية داخل القصة، لكنه ساردها الأساسي، هو الناقل للأحداث، كأنه يمسك كاميرا ويصور حدثًا ما، ويقوم بنقله للآخر، هذا النقل يشتمل على صوته، وأصوات الأشياء الأخرى.

وشكل آخر للأصوات في القصة القصيرة، هو صوت الشخصية البطل، فمن الممكن أن يكون البطل هو سارد الأحداث، فهو يعايش تجربة أو عايشها، ويكون على المؤلف دمج الوصف الزمني، فعليه تُبنى المشاعر من بعدها كالحنين والتذكر والندم والخوف،وكل هذا يمكن تجسيده بصياغات مختلفة للصوت.

وصوت الشخصية الرئيسية في القصة القصيرة يتجسد في القناعات التي تحملها، والرؤية التي يعطيها المؤلف للبطل خلال السرد، هذا الصوت لا يتحدد بارتفاع موجاته أو انخفاضها، وإنما بمدى استمراريته في ذهن القارئ.


d650414d-e074-4271-9701-c6bfb82b3195



كما يكون في القصة القصيرة أصوات ليست بالبشرية، لكنها تصنع الفارق في تركيب وأثر وسياق السرد.

هذه الأصوات تتواجد منفردة أو جماعية في الطبيعة من حولنا، أو بفعل حركة الآلات والمركبات أو حركة الماء، كلها تصنع من الشغف والتعلق والفضول لدى القارئ خلال رحلته مع القصة، فبمجرد ما يسرد الكاتب عن صفير القطار، فإننا نتخيل معه لا شعوريًا، صوت الصافرة المدوي في المكان المفتوح، بل ونتخيل جسد القطار وحركته، ودخانه في السماء. مشهد كبير يتم صناعته في الذهن لمجرد تلميح ذكي يمتلك الإثارة من المؤلف.

هذا السر في الصوت، يعطيه خصوصية سردية لما يمتلكه من أثر عظيم  على القارئ. والكاتب الذكي، هو من  يصنع عبر اللغة صوتًا ذكيًا، ينطبع في ذات القارئ بسلاسة. وحول هذا تتساءل الكاتبة رضوى عاشور مستغربة، "لماذا بقي الصوت حاضراً إلى هذا الحد، لماذا تصون الذاكرة أشياء دون أشياء؟".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC