يقدم الفيلم الأمريكي "لوريلي/Lorelei" الصادر أواخر يوليو/تموز 2021، لمحات عاطفية في إطار نفسي اجتماعي.
ويروي العمل قصة إطلاق سراح وايلاند بعد مرور 15 عاما على سجنه، ليمر بتجربة تأقلم صعبة إذ يتغير نمط حياته بالكامل، ويلتقي بمحبوبته الأولى لولا التي عاش معها قصة حب مفعمة بالعاطفة في المرحلة الثانوية.
العودة للحياة
ويبدأ الفيلم بأجواء هادئة حميمية وموسيقى حيوية تبث مشاعر الحب والحياة، وكأن المخرجة تهيئ المشاهد بالفعل لبداية جديدة بعودة وايلاند إلى موطنه في ريف ولاية أوريغون ليستأنف حياته بعد مرور أعوام على سجنه.
ونستشف من تتالي الأحداث أن وايلاند دخل السجن بتهمة السطو المسلح، تاركا خلفه محبوبته الحزينة وأحلامها في أن تصبح سباحة عالمية، لكن الظروف الصعبة فرقت بينهما، وجعلتها تتجاهل تطلعاتها الطموحة بمجرد أن علمت بحملها المفاجئ الذي غير مجرى حياتها.
وفي جانب آخر، يبحث وايلاند عن عمل يجيده كي لا يكون عبئا ثقيلا على أحد، إلا أن آثار 15 عاما من السجن تبقى ماثلة في تفاصيل حياته وتعيق استمراره الطبيعي.
ويواجه وايلاند أحكاما اجتماعية مسبقة ونظرة نمطية مجحفة تتخللها ردات فعل نفسية متوقعة بالنسبة لسجين قضى عامين من أعوام سجنه في غرفة انفرادية.
ويبدو أن أعوام السجن الطويلة لم تؤثر على مظهر وايلاند، إذ حافظ على رشاقته ووسامته، ليعود إلى محبوبته ببنية قوية وملامح ذكورية واضحة، ما يعزز تقبل لولا له من جديد.
اغتراب ذاتي واجتماعي
ويسعى الحبيبان إلى تعويض أيامهما المسروقة، ولكن وايلاند يبقى أسيرا لسجنه الداخلي، لتتسع الفجوة بينه وبين مجتمعه، ويعاني من حالة شديدة من الاغتراب الذاتي والاجتماعي.
ويعيش وايلاند حالة من الإحباط في ظل الخيبات التي عصفت بحياته، جراء انكسار أحلامه ورؤاه وطاقاته المتفجرة، ما يؤدي إلى تأزم علاقته مع محيطه وينتهي به المطاف في دوامةٍ من الإحساس بالعزلة، مفضلا الاستسلام والانكفاء على الذات.
وظاهرة الاغتراب كما يعرفها عالم النفس "إيريك فروم" تمثل "نمطا من التجربة يعيش فيه الإنسان كشيء غريب، ويمكن القول إنه أصبح غريبا عن نفسه، فلا يعود يعيش نفسه كمركز للعالم وكمحرك لأفعاله".
ويعزز تجربة وايلاند المريرة نظرات الإدانة والإيماءات المتعالية من المحيط الاجتماعي، إذ يتنكر له الجميع، ولكن محبوبته لولا كانت مصدرا للإلهام والسعادة، وهي المحبوبة اجتماعيا كونها أماً عازبة لثلاثة أطفال.
وينتقل وايلاند للعيش مع محبوبته، وتوافق الجهات الأمنية على تغيير سكن إقامته متذرعة بأن العلاقات العاطفية تخفف من حدة الجرائم وتخلق توازنا عقليا ونفسيا للمحكومين السابقين.
ويسعى وايلاند جهده لتحمل مسؤولياته الجديدة، ليصبح مصدر استقرار العائلة وقوتها، الأمر الذي يتنافى وشخصيته المتمردة الحرة.
وتتصاعد الأحداث مع مغادرة لولا إلى لوس أنجلوس وتورط وايلاند في كونه مسؤولا رسميا عن حماية الأطفال الثلاثة بغيابها، ليجد نفسه بمثابة الوالد.
بعد نفسي
وامتازت شخصية وايلاند المثقلة بتجارب مريرة في السجن، بالهدوء والصمت والانضباط، فيظهر كاتما لمشاعره في معظم المشاهد، ويعيش تناقضات الرفض والمقاومة بين رغباته وأحلامه وبين تأثير الماضي على شخصيته.
ويبرز البعد النفسي في الفيلم مع التركيز على تحولات شخصية البطل، الذي يعيش فوضى داخلية عارمة ومشاعر متناقضة، تختبئ وراء ملامحه الصامتة المتماسكة، التي تحاول، في ردة فعل دفاعية، إيصال صورة معاكسة لحقيقته الرقيقة.
التركيز على الحبكة
ونشهد في العمل تركيز المخرجة على الميلودراما الاجتماعية الحزينة، وإيلاء الحبكة مزيدا من الاهتمام، مع تقديم لمحات روحانية عن التصوف وحب الذات.
واتسمت كوادر التصوير بالجمال الهادئ، بالتركيز على الطبيعة الخلابة والشلالات الساحرة والأشجار المعمرة في ولاية أوريغون، وسط أضواء نهارية طبيعية.
تجربة أولى ناجحة
ويبدو أن المخرجة سابرينا دويل نجحت في تقديم عمل لافت، في تجربتها السينمائية الأولى تأليفا وإخراجا، مبدية قدرة على خلق بيئة متناغمة مع شخصيات الطبقة العاملة الريفية لتسلط الضوء على العشوائية والفوضى والأرائك العبثية والمنازل المكسوة بألواح خشبية ملطخة بسبب الهطول الغزير للأمطار.
عُرِض الفيلم للمرة الأولى عالميا في مهرجان دوفيل للسينما الأمريكية في فرنسا. وشارك في بطولته بابلو شرايبر، وجينا مالون، وأميليا بورجردينج، وباركر باسكو، وتشانسلور بيري.