logo
ثقافة

عنوان القصيدة وغيابه.. في عصر السرعة والحداثة

عنوان القصيدة وغيابه.. في عصر السرعة والحداثة
19 نوفمبر 2020، 10:08 ص

يمتلك العنوان خصوصية جمالية في التعريف المختصر عن النص الشعري، فهو أول ما تلحظه العين، وتتفاعل معه حواس الإنسان، وهو بطريقة ما، المساحة الأولى التي يجتازها القارئ في التعرف على عناصر النص.

ويعتبر العنوان بمثابة "تسمية للنص وتعريف به وكشف له وعلامة سيميائية تمارس فعل التدليل، ويتموضع على الحد الفاصل بين النص والعالم"، كما رآه الناقد خالد حسين.

لكن، وعلى الرغم من القيمة التأويلية للعنوان في فهم وتشريح النص الشعري، فإن العديد من الشعراء يلجأون إلى نشر مجموعاتهم الشعرية بعنوان وحيد، ألا وهو عنوان غلاف المجموعة، وفي الداخل تتتابع النصوص دون عناوين، الفواصل بينها تكون على شكل أرقام، أو أحرف أبجدية، أو أشكال لاتينية، أو رسومات. ومنهم من يضع عنوانا لمجموعة من القصائد، عن طريق تقسيم المجموعة الشعرية إلى عدة فصول.

هذا النهج الشائع يقدم للعالم قصائد دون عناوين، وخارطة شعرية، دون أدوات تعريف، أو أسماء يمكن من خلالها فتح باب النص من جديد، وبالتالي يعرض شكلا مغايرا للشعر، فاتحا المجال للاختلاف في ذلك، باعتبار ذلك قناعات خاصة بالشاعر.

وحول ما إذا كان عدم تخليق عنوان خاص بكل نص، يفقد القصيدة جزءا من قيمتها الفنية، ومن هويتها، وسبب توجه بعض الشعراء لمحو العناوين، يقول الشاعر والناقد العماني خميس قلم لإرم نيوز: "القصيدة بلا عنوان.. يحدث ذلك في سعي الشعراء إلى لفت اهتمام المتلقي؛ والرغبة في الانفلات من ربقة السائد والمألوف. وقد يحدث ذلك أيضا على صعيد توظيف غياب العنوان كتقنية كتابية مقصدها بتر العتبة أو قص رأس النّص -بما أنّ العنوان عتبة ورأس للقصيدة- لإنشاء نص تفاعلي، يترك الشاعر للقارئ حرية اختيار العنوان الملائم".



ويوضح قلم: "ربما وجدنا ديوانا شعريا يرقّم المقاطع حسب ما يراه الشاعر مواتيا تعويضا للعنوان بأرقام أو علامات، وهو بذلك يطمح في إنشاء صلة متواترة بالأرقام أو الحروف من أجل أن نقرأ كتابه الشعري قصيدة واحدة بعنوان واحد".

ويبني قلم على ذلك بالقول: "إن السياق الكتابي وما يدور في ذهن الشاعر -لا بطنه- هو ما يحدد إن كان إعمال العنوان أو إغفاله في صالح النّص أو جورا عليه".

أما الشاعرة البحرينية بتول حميد فتوضح لإرم نيوز: "تحمل القصيدة المعاناة من أَول بريقٍ لها إلى أَن تُصبح مضاءة بعنوان أو بلا عنوان، لكن ثمة عناوين لا تغدو أكثر من كونها مجرد عتبة للنص، تجعلك تدخل إلى النص بجسدك، وتخذل حنين روحك على الشرفات".

وتتبع حميد ذلك بالقول: "إذا استرأينا أن الشاعر نص واحد، وقصيدة واحدة بوجوه مختلفة، فقد تغدو العناوين عابرة عن التجربة ومساحات الوعي واللاوعي في مخيلته، وربما تاريخ خاص يضج بأسراره ومواقفه ومصادفاته".

وتوضح أيضا: "إن العنوان وإنْ كان مجرد كلمة مفردة واحدة، فإنه قد يتماهى مع روح النص ويؤكد فعاليته الجمالية. لكن جدية وعمق النص لا تزداد بإضافة العناوين، والأهم ألا يغفل الشاعر عن الاهتمام بمقومات النص "بناء وهيكلا وصورة"؛ وبالتالي يأفل انفعاله المنفرد وموسيقاه وتأفل الفكرة بمكنوناتها الظاهرة والخفيّة، وهذا يناقض مفاهيم الشعر البديهية.

وتختتم حميد إفادتها بالقول: "الأهم من صياغة العنوان أن الاستغناء عنه؛ هو ألا يكون شماعة ركيكة للنص أو يبدو أشبه بيافطة سمجة أو لافتة تعليمية؛ لأن فعل الكتابة الإبداعية بالنسبة لي هو بمثابة البلدوزر الذي يحطم النمطية والقوالب المكرسة والمكررة".

العتبة

أما الشاعر العراقي صفاء إسكندر فيقول لإرم نيوز: "العمل بلا عنوان، لا يعني ذلك أن العمل بلا شكل أو فكرة، على الرغم من أننا نأخذ (العنوان) على أنه العتبة، لكن ذلك لا يشكل غيابا للرؤية في قراءة النص، والاستفهام، وربما يأتي هذا الغياب كنوع من التسرع أو عدم المبالاة، في عصر السرعة، كما يرغب الأغلب في تعليل الأسباب".


e764707a-5253-487e-a196-eaa0b39bde5e



ويكمل: "يشكل العنوان واحدة من أساسيات النص، حتى لو تم غيابه في نصوصنا، لكنه لا يشكل نوعا من العمى في القراءة، ونحن نعرف أن الأغلب الأعم يميل لقراءة اسم الشاعر قبل قراءة قصيدته، ولو غابت الكثير من الأسماء عن النص، سيغير ذلك من فكرة القارئ عن النص، إذ ستختفي الجدية، كما أن اسم الشاعر هو عنوان بحد ذاته".

فيما يؤكد الشاعر الفلسطيني حسين حرزالله لإرم نيوز على أن:"النص هو الجوهر، وهو لب التجربة والأساس"، مضيفا أن "عدم وجود العنوان لا ينتقص من قيمته، لكنه يشكل إضافة حيوية، تزيد من أبعاده، ويعد مفتاحا للقصيدة".

ويوضح حرزالله: "إن الاحتكام يكون للقيمة الشعرية التي يحملها النص من خلال الرؤية والصورة".

ويردف الشاعر: "إن توجه بعض الشعراء لوضع نص دون عنوان يأتي من قبيل التوجه الحداثي، للتجديد في طريقة تقديم النص كجسد كامل، فيكون هو عنوان ذاته".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC